السبت، 18 أبريل 2009

الستات أذكى ولا الرجالة ؟

الحكاية دي حصلت أيام زمان ، وافتكر إنها يمكن تكون حصلت بجد
 
 كانت الفتاة تتجول في السـوق برفقة جاريتيها، تنتقي ما تشـتهيه وتسـلي نفسـها في نفس الوقت. دخلت محلاً يبيع الأقمشة، فإذا بلوحة كبيرة تتوسـط المحل مكتوب فيها: " كيد الرجال غلب كيد النساء ".

 كتمت غيظها مما هو مكتوب في تلكم اللوحة، ورسم عقلها الجبار الخطة في ثوان معدودة. أقبلت نحو صاحب المحل وهي تتهادى بكل نعومة، وعندما وقفت أما
مه
سألته بصـوت يكفي لإذابة أقسى القلوب: " هل أجد عندك حريراً شيرازياً أحمر اللون ".

 مرت لحظات على صاحب المحل حتى يسـتوعب الموقف، فالصوت الموسيقي الذي سـمعه كان أشبه بصوت حورية من الجنة نزلت إلى دنيانا في لمحة من الزمان. ثم رد مشـدوهاً : " بكل تأكيد يا أختي، فمحلنا يشـتهر بأفخر أنواع الأقمشة، انتظري قليلاً حتى أحضره لك ".

...... فرد الرجل القماش أمام طاولة بينه وبين الفتاة وهو يمدح بضاعته كعادة التجار - لم ينس طبعه حتى في أحلك الأوقات - . كشفت البنت وجهها المضيء لحظة خاطفة وهي تتفحص القماش، تعمدت أن يرى فيها الرجل جمالها الخلاب .

...... كان ذهول الرجل لجمال الفتاة واضـحاً جلياً لم يسـتطع إخفاءه، لذلك لم يصـدق أذنيه عندما قالت الفتاة : " يبدو أنك قد أعجبت بجمالي أيها الرجل ؟ ما رأيك في الزواج بي ؟ " . لم يصـدق الرجل أذنيه، لذلك فقد تأخر رده بضع لحظات وهو يقول : " أتمنى من كل قلبي، دليني إلى أهلك وبيتك ؟ "
. نجحت الفتاة في أسـر قلب الرجل وهاهي تكمل خطتها وتجيبه : " والدي هو قاضي القضاة، وهو يحبني حباً شـديداً لأنني ابنته الوحيدة، وهو يرفض جميع من يتقدم للزواج بي. فإذا كنت جاداً بالفعل وتريدني زوجة لك، فهي فرصـة لن تتكرر لنا نحن الاثنين حتى نتفق ونخطط جيداً حتى يتم هذا الزواج ".

 رد الرجل – والدنيا تكاد لا تسـعه من شـدة الفرح - : " ومن هو المجنون الذي لا يتمنى الزواج من فتاة لها ربع مقدار جمالك ؟ صـوتك وحده أسـرني وملك قلبي. أنا مسـتعد لتنفيذ أي خطة تقررينها ".

 قالت الفتاة : " في يدك أنت وحدك إتمام هذا الزواج، حيث أن والدي يتعلل لخطـّابي ويخبرهم عني صفات بعيدة كل البعد عن الواقع. فهو يحذرهم قائلاً إنني شوهاء حدباء عرجاء، مما يجعلهم يحجمون جميعاً عن الاسـتمرار " .

...... اسـتغرب الرجل كثيراً لكلام الفتاة وسألها : " ولماذا يصنع ذلك ؟ ". ردت : " كما أخبرتك، هو لايطيق تخيل لحظة فراقي لأنني ابنته الوحيدة. وهو يؤمن أن جميع من يريد الزواج بي إنما يفعل ذلك طمعاً في مصاهرته هو لأنه قاضي القضاة. والحل الوحيد لدينا أن تصر على إتمام زواجنا مهما أخبرك عني، فأنا أمامك الآن ليس بي أي عيب كما ترى".

 اقتنع الرجل بخطتها ووعدها أن يبكر في اليوم التالي إلى ديوان والدها طالباً يدها منه، وأكد لها أنه لن يتراجع عن ذلك مهما حصل . . وغادرته الفتاة مع جاريتيها وهما أحسـن مايكون اتفاقاً.
. يبدو أن صاحبنا كان في غاية الفرح والسـرور، حيث أن عينه لم تكتحل بغمض طوال الليل . ودليلنا على ذلك أنه كان أول الداخلين إلى ديوان قاضي القضاة يطلب مقابلته في مسألة شـخصية.

...... رغم اسـتغراب القاضي لطلب الرجل يد ابنته إلا أن رده كان كما توقعنا جميعاً، ترحيب مشـوب بتحذير من أنه لن يحتمل شـدة بشاعتها .. وبكل تأكيد - كما هو مفترض حسـب الخطة – فقد أصـر رجلنا بائع القماش على إتمام زواجه من ابنة القاضي رغم كل شيء، واتفق الاثنان على اليوم التالي موعداً لإتمام القران.

...... خرج بطلنا والدنيا تكاد لا تسـعه من شـدة الفرحة، فهاهو أخيراً يفوز بفتاة أحلامه. وزيادة على ذلك فإن والدها هو قاضي القضاة، أي أنه رابح في هذه الزيجة من جميع جوانبها دون أدنى شـك . . واتجه من فوره إلى بيت شـقيقته يزف لها ولزوجها هذه الأنباء السارة للغاية، إلا أن مفاجأة صاعقة كانت تنتظر صاحبنا هناك.
...... 
...... 
********

...... 
...... عرف من أخته أن القاضي لديه حقاً إبنة واحدة، ولكنها بالفعل شوهاء حدباء عرجاء كما ذكرت له الفتاة الجميلة الغامضة التي نجحت في خداعه يوم أمس، وكما قال القاضي قبل قليل . . أي أن صـاحبنا أصـبح بالفعل في مأزق غاية في الحرج، حيث أن موعده مع قاضي القضاة لإتمام الزواج الكارثة هو يوم الغد . . 

...... عاد إلى محله في السـوق والضيق يكاد يبلغ به منتهاه، وتمنى لو تقع يده على تلك الفتاة اللعوب التي وضـعته في هذه المصـيبة .. إذاً لانتقم منها شـر انتقام . . وما كاد تفكير صـديقنا يصـل إلى هذه المرحلة، وإذا بنفس الفتاة مع جاريتيها يدخلن المحل وهن يتضاحكن بصـوت يكاد يملأ كافة أنحاء السـوق.

...... قبل أن يفكر الرجل فيما يقول أو يفعل، بادرته الفتاة والشـماتة تبدو واضـحة على صوتها : " أود أن أبارك لك يا صـديقي على هذه الزيجة، فالزواج بابنة قاضي قضاتنا لا شك شـرف يتمناه جميع رجال مدينتنا ".

...... كظم المسـكين ما يعتمل في صـدره من غيظ وهو يجيبها قائلاً : " الفضل يعود إليك يا فتاتي، فلولا خطتك العجيبة لما كان شيء من هذا ". ضـحكت قائلة : " لا تنس أنك سـتكسـب كثيراً من من هذا الزواج، فمصـاهرتك للقاضي شـرف رغم الصـفات السـيئة لابنته تلك ".

...... تنهد وهو يقول : " ما أريد معرفته الآن هو سـبب ما حصل منك البارحة ، لماذا أوقعتني في هذا المأزق الشـائك الذي ليس له حل ؟ لا أظن أن لك أي مصـلحة شـخصية في موضوع زواجي هذا ".

. كان الرجـل غـاية في الحيرة لما فعلته الفتاة به ، لذلك فقد فوجيء بها وهي تجيبه ضاحكة : " السـر يكمن فيما وراءك أيها السـيد المحترم " . . التفت وراءه ونظر فلم يجد شـيئاً، لذلك فقد عاد يسـألها باسـتغراب أشـد : " لم أفهم مقصـدك بعد يا آنسـتي " .

...... قـالـت له بـبـطء وهي تـزن كـلـماتها بـكـل عناية : " ألا ترى يا عـزيـزي ماهـو مكتـوب بتـلـك اللوحة المعلـقـة وراءك ؟ " . . نـظـر إلى اللوحة باسـتغراب شـديد وقـرأ ما فيها (كيد الرجال غلب كيد النساء). شـعر كأنه يقرأها للمرة الأولى في حياته، وأحس بالأرض تكاد تميد به هاوية.

...... تمكن أخيراً من النـطـق بـصـوت كـلـه أسى وحسـرة : " أصـنعت بي كل هـذا بسـبب هذه الكلمات السـخيفة ؟ ". ضحكت قائلة : " طالما هي سـخيفة في رأيك، فلماذا تعلقها في صـدر المكان ؟ " . تنهد بقوة وهو يجيبها : " ليتني لم أضـعها ههنا، بل أنني أتمنى الآن أنني كنت لم أراها في الأصـل، فيبدو أنها أساس كل مصيبتي التي لا حل لها إلا أن يريحني الله من الدنيا وما فيها هذه الليلة ".

...... قالت بصـورة مفاجئة : " وما تصـنع إذا تمكنت من إنقاذك ؟ " . بدأ الأمل يراوده وهو يرد عليها قائلاً : " عندها أعدك بأنني سـأسـتجيب لكل مطالبك، أنقذيني فقط من هذه الورطة ".. قالت له : " ليس عندي إلا شـرط واحد فقط، قم بنزع هذا اللوحة الآن. وعدني بأنك ستأمر بصـنع واحدة أخرى بها عكس هذه العبارة بالضبط تعلقها مكانها، إذا ما تمكنت من إنقاذك ".

...... أجابها وهو يكاد لا يصـدق أذنيه : " أنقذيني بالله عليك وأنا مسـتعد لفعل ذلك وأكثر. وهاأنا أمامك أنزع اللوحة حسـب ما طلبت " .. قالت له : " حسـناً، إليك ما تصـنع .. اذهب الآن الى السـوق وقم باختيار أفقر حمال يكون مناسـباً لأن يؤدي دور والدك أمام القاضي، وادفع له بسـخاء حتى يصـحب معه في الغد بعض إخوانه وأقاربه وتذهبون جميعكم دار القضاء على أساس أنهم أهلك، وأنت تعرف الباقي ".

...... أومأ برأسـه قائلاً : " حقاً إن كيدكن عظيم، لا شـك أن القاضي في هذه الحالة هو من سـيرفض إتمام هذه الزيجة السـخيفة .. لا أعرف كيف أشـكرك على تخليصي " .. قالت له وهي تغادر مع الجاريتين : " لا شـكر على واجب، فلا تنس أنني من أوقـعـك في هذه الورطة أصـلاً .. على أي حال فإنني سـعدت جـداً بمعرفتك، وتـذكـر صـنع اللوحة التي طلبت تعليقها بدلاً من هذه ".




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق